-
وَيْحَكَ! أَفَكُلَّمَا تَيَسَّرَ لَكَ الذَّنْبُ وَقَعْتَ فِيهِ! |
قَالَ الْفَقِيرُ حَسَنْ سِبَاقْ: الْمُرَاقَبَةُ زِينَةُ الخَلْوَاتِ. أَمَّا أَسْيَادِي
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَدْ أَفْهَمُونِي: أنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُنَزِّلْ عَلَى
النَّاسِ وَاعِظًا وَلَا زَاجرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمُرَاقبة. فَمَا مَعْنَى
الْمُرَاقَبَةِ إِذَنْ؟ سُؤَالٌ جَوَابُهُ
مِنْ تِبْرِ الْجَنَّةِ؛ فَاسْمَعْ لَا تَخْسَرْ فَضَلًا: الْمُرَاقَبَةُ
هِي: (عِلْمُ الْقَلْبِ بِقُرْبِ اللهِ تَعَالَى مِنْكَ). نعم؛ عِلْمًا
يَجْعَلُكَ حَرِيصًا عَلَى احْتِرَامِ هَذَا الْقُرْبِ. أَوْ بِمَعْنىً
عَمَلِيٍّ حَرَكِيٍّ هِيَ: (اليَقِينُ بِأَنَّ اللهَ لَا يَخْفَى علَيَهْ ِشَيءٌ
مِنَ الحَالِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ) يَقِينًا يَجْعَلُكَ تَتَجَنَّبُ أَنْ تَكُونَ
عَلَى حَالٍ تُلَامُ مِنْ أَجْلِهِ. قَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ لِأَحَدِ العُصَاةِ: رَاقِبِ اللهَ تَعَالَى. فَقَالَ: وَكَيْفَ
أُرَاقِبُهُ؟ فَقَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكَ /: (كُنْ
أَبَدًا كَأّنَّكَ تَرَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ). إِذَا كَانَ
الْأَمْرُ كَذِلِكَ فَأَخْبِرْنِي -بِاللهِ عَلَيْكَ- كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ يُؤْمِنُ
أَنَّ حَالَهُ
لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ وَأَنَّهُ U يَرَاهُ حِينَ مَنَامِهِ
وَحِينَ يَقُومُ وَحِينَ غُدُوِّهِ وَحِينَ يَرُوحُ؟ ولكي نقرب هذا المفهوم تعال نعيش هذه اللحظة في الفقرة التالية مع صاحب القطة: |
صَاحِبُ الْقِطَةِ حَكَى أَحَدُ
الْمُبْتَلِينَ بِالنَّظَرِ فِي الْمَوَاقِعِ إيَّاهَا -حَفِظَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ
وَذَرِّيَاتِنَا مِنْهَا- قَالَ: أَغْلَقْتُ بَابَ
حُجْرَتِي وَجَلَسْتُ أَتَفَرَّجُ، فَسَمِعْتُ فِي الْبَابِ خَرْبَشَةً، فَفَزِعْتُ
وَقَفَزَ قَلْبِي حَتَّى بَلَغَ أَنْفِي، وَقَعْقَعَتْ رُوحِي، وَكَادَتْ أَنْفَاسِي
أَنْ تَنْقَطِعَ، فَأَغْلَقْتُ جِهَازِيَّ وَهَرَعْتُ بِكُلِّ خَوْفٍ فَفَتَحْتُ
الْبَابَ فَإِذَا عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ هِرَّةٌ _إِي وَاللهِ هِرَّةٌ_ وَبِمَا
أَنَّهَا (طِلْعِتْ هِرَّةً مِشْ أَبُويَا وَلَا أُمِّي) احْتَقَرْتُهَا وَاحْتَقَرْتُ
فَعْلَتَهَا الشَّنْعَاءَ وَتَكَبَّرْتُ حِينَئِذٍ عَلَيْهَا وَنَظَرْتُ إِلَيْهَا
شَذَرًا وَكِدْتُ أَدْهَسُهَا بِرِجْلِي،
فَمَاءَتْ وَكَأَنَّهَا احْتَقَرَتْنِي أَيْضًا إِذْ فَهِمْتُ أَنَّهَا تَقُولُ لِي:
اللهُ أَقْرَبُ. وَاصَلَ صَاحِبُ الْقِطَةِ: قَلْتُ لِنَفْسِي: خَرْبَشَةُ قِطَّةٍ
بَكْمَاءَ _يَا أَعْرَجَ الرُّوحِ_ تَهُزُّ أَرَكَانَكَ، وَأَنْتَ غَافِلٌ عّمَّنْ
بِمَقْدُورِهِ أَنْ يَهُزَّ لِمَعْصِيَتِكَ أَرْكَانَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ! فَقُلْتُ لَهُ:
اسْمَعْ _يَا هَدَاكَ اللهُ_: (خَوْفُكَ مِنَ القِطَّةِ إذْ خَرْبَشَتْ بَابَكَ
وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ نِفْسِهِ). فَاسْتَحْيَا
وَبَكَي، فَقُلْتُ لَهُ: النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَأَشَدُّ النَّدَمِ الْبُكَاءُ، وَأَكْمَلُ
التَّوْبَةِ أَنْ تَتَقِيَ اللهَ U فَلَا تَعُودَ، قَالَ تَعَالَى: +قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا
مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ_، فَانْفَرَجَتْ أَسَارِيرُهُ وُابْتَسَمَ. قَالَ حَسَن وِلْدْ سبَاق غَفَرَ
اللهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ: مَنْ تَحَرَّى تَقْوى اللهِ فِي الجَّلْوَةِ وَأَتَى
مَعْصِيَتَهُ فِي الخَلْوَةِ، فَقَدْ كَذَبَ رَبَّهُ فِي وِلَايَتِهِ، وَأَمْعَنَ
بِفُجْرٍ فِي عَدَاوَتِهِ. |
=
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق